الرئيسية » تكوين ذاتي » التدبير الديداكتيكي: مفهومه وأهدافه وأنواعه

التدبير الديداكتيكي: مفهومه وأهدافه وأنواعه

تقديم

يحيل مفهوم التدبير على المجال الاقتصادي، حيث يقصد به gestion-management؛ مجموعة من التقنيات التي تستعملها مؤسسة أو مقاولة ما لتحقيق أهدافها العامة والخاصة، وتتمثل هذه التقنيات في: التخطيط والتنظيم والتنسيق والقيادة والمراقبة، وبصفة عامة فإن التدبير يتمثل في مجمل الإجراءات التي تعتمدها الإدارة لتنفيذ أعمالها وتصريفها.

وقد يعني التدبير مجموعة من القواعد التي تتعلق بقيادة المقاولة الاقتصادية وتنظيمها، فيرتبط بالاقتصاد كل الارتباط المتعلق بتسيير الشركات والمقاولات لتحقيق الجودة المطلوبة، وفق مجموعة من المبادئ المتدرجة والمتكاملة السالف ذكرها.

لم يقتصر التدبير على ما هو اقتصادي أو إداري بحت، بل تجاوز ذلك إلى ما هو تربوي وديداكتيكي من خلال التركيز على المشاريع التربوية، وتدبير عملية التكوين، والاهتمام بمختلف التعلمات في سيرورتها الديداكتيكية القائمة على العناصر التالية:

  • المدخلات (الكفايات والأهداف المحققة لها)؛
  • السيرورة (المضامين والأنشطة والطرائق والدعامات)؛
  • المخرجات (التقويم والتغذية الراجعة والدعم والمعالجة).

وإذا كان التخطيط تصورا نظريا استشرافيا، فإن التدبير تنفيذ وإنجاز وتطبيق للخطة النظرية الموضوعة، وفي هذا الصدد يقول الدكتور محمد أمزيان بأن التدبير: “مرحلة التطبيق الفعلي للخطط والبرامج، ويتم خلالها تدبير وضعيات التعليم والتعلم، كما يتم أيضا بناء الوضعيات التي تسمح بنقل المعارف والخبرات والقيم للمستفيدين وفق خطة محكمة، وللحكم على جودة هذه المرحلة يتم تقويم نوعية الوضعيات المتبناة لنقل المعرفة، وكذا طبيعة الوسائل أو الشروط المتوفرة، ثم الموارد الموجودة لمتابعة نتائج عملية التكوين أو إعادة التكوين ورصدها”.

مفهوم التدبير

التدبير لغة

تدبير: (اسم). الجمع: تدابير.

التدبير المنزلي: حسن القيام على شؤون البيت. امرأة لها قدرة كبيرة على تدبير شؤون البيت: على تسييره وترتيبه والعناية به، التدبير نصف المعيشة.

مصدر دَبَّرَ: احتياط واستعداد. اتخذ المدير تدابير صارمة: أي إجراءات، ترتيبات، قوانين إجرائية. اتخذ تدابير احتياطية.

هذا الأمر من تدبيره: من فعله، من صنعه.

التدبير اصطلاحا

يستعمل مفهوم التدبير بمعنيين حسب السياق: المعنى الأول يكون فيه التدبير رديفا للتسيير العلمي للمؤسسات، بتوظيف إمكانياتها المادية والمالية والبشرية بغي الوصول إلى مجموعة أهداف محددة سلفا. والمعنى الثاني يقصد به طريقة قيادة الأفراد والمجموعات داخل سياق تنظيمي محدد، بغية تعبئتها وتوحيد عملها من أجل تحقيق غايات مشتركة.

كما أن التدبير قد يقصد به مجموع العمليات والتقنيات والآليات الإجرائية التي يعتمد عليها المدبر لتنفيذ الأنشطة والتعلمات والمشاريع في إطار زماكاني معين، انطلاقا من كفايات وأهداف محددة، واعتمادا كذلك على مجموعة من الموارد والطرائق والدعامات، سواء كانت مادية أو معنوية.

التدبير البيداغوجي

ينبني التدبير البيداغوجي على مجالين هامين هما:

تدبير المشاريع التربوية

فالمشروع ينصب على إنجاز مهمة أو نشاط تربوي وفق مجموعة من الأهداف المسطرة، علاوة على توفر مجموعة من الإمكانيات البشرية والمادية، حيث تنجز المهام بطريقة مرنة في فضاء وزمان معينين، وبوسائل مناسبة، وغالبا ما تكون المشاريع البيداغوجية مشاريع ثقافية وديداكتيكية واجتماعية وبيئية… فيستفيد منها المكوِّن والمكوَّن، وتخضع هذه المشاريع لخطة محكمة تنبني على تدبير المدخلات والعمليات المخرجات، وتدبير المخاطر.

تدبير التكوين

يقصد به وضع خطة متقنة لتأهيل المتدربين وفق مجزوءات إجبارية وتكميلية وداعمة، لتمهيرهم مهنيا، كأن تزودهم بمهارات ومعارف في علوم التربية، أو تمكنهم من آليات البحث التربوي وطرائق التدريس، أو تقدم لهم معلومات تشريعية… على أن تقومهم تقويما قبليا وتكوينيا وإشهاديا.

فالتدبير البيداغوجي الناجع هو التدبير المرتكز على مجموعة من التقنيات التي يلتجأ إليها المكون في عملية التكوين لتحقيق أهدافه وكفاياته المرصودة، والتي تخول للمكوَّن التعامل مع الوضعيات المهنية المستعصية، من خلال الانفتاح على تقنيات التنشيط الحديثة، وآليات تدبير العمل الجماعي، كما ينص عليها علم النفس الاجتماعي.

التدبير الديداكتيكي

يتعلق التدبير الديداكتيكي بتدبير العمليات التعليمية التعلمية على مستوى المدخلات والسيرورات والمخرجات، وله علاقة بمصطلحات أخرى من قبيل: إدارة القسم – قيادة القسم – تدبير القسم.

ومن هنا يعنى التدبير الديداكتيكي ببناء وضعيات تعليمية تعلمية تطبيقية في مدة معينة، لمستوى دراسي معين أو مستويات دراسية مختلفة؛ اعتمادا على مجموعة من الوثائق والبرامج التربوية الرسمية، وبإعمال مقاربات متنوعة: المقاربة بالأهداف، والمقاربة بالكفايات، والمقاربة بالملكات، مع توظيف بيداغوجيات مختلفة مثل: البيداغوجيا الفارقية، وبيداغوجيا الذكاءات المتعددة، وبيداغوجيا الخطأ.

ويعني هذا أن التدبير الديداكتيكي يتطلب من المدرس قدرات متعددة، سواء تعلق الأمر بتنظيم وضعيات التعلم، أو تدبير التعلمات، أو تحفيز المتعلمين، أو ضبط القسم، وبالتالي فإن تدبير التعلمات ما هو إلا جانب ضمنا جوانب مختلفة تهم تدبير الفصل الدراسي ككل.

تم التنصيص على مفهوم التدبير تعريفا وتوظيفا واستثمارا، من خلال بعض الأدبيات المؤطرة للممارسة التربوية، منها:

  • الميثاق الوطني للتربية والتكوين: ربط بين التدبير والإيقاعات المدرسية، من خلال تحديده لساعات الدراسة السنوية والأسبوعية والعطل المدرسية وتوزيع الحصص…
  • دليل الحياة المدرسية: نص على ضرورة تدبير الحياة المدرسية؛ عن طريق الأنشطة الديداكتيكية والأنشطة الموازية بهدف تلبية حاجيات التلميذ المعرفية والوجدانية والحسية الحركية.

أهداف التدبير الديداكتيكي

تتمثل أهداف التدبير الديداكتيكي في الآتي:

  • أجرأة الكفايات والأهداف في واقع الفصل الدراسي؛
  • تمثيلها في وضعيات ديداكتيكية إجرائية، مقاطع تعليمية تعلمية في زمان ومكان محددين؛
  • تنويع إيقاعات التعلم وطرائق التدريس؛
  • تقويم التعلمات والمهارات والقدرات المكتسبة؛
  • دعم التعثرات المسجلة بناء على نتائج التقويم.

أهمية التدبير الديداكتيكي

  • العقلنة؛
  • ربط التخطيط بالتنفيذ؛
  • تحول التمثلات إلى مخططات عملية؛
  • أجرأة الكفايات والأهداف؛
  • تحقيق الجودة؛
  • تنظيم العملية التربوية.

وظائف التدبير الديداكتيكي

  • الاستشراف؛
  • التسيير؛
  • التوجيه؛
  • التنظيم؛
  • التنفيذ؛
  • القيادة؛
  • التنسيق؛
  • التقويم؛
  • الدعم.

شروط التدبير الديداكتيكي

  • مراعاة الشروط السوسيوتربوية (أقسام حضرية، أقسام مكتظة، أقسام مشتركة…)؛
  • مراعاة خصوصيات المتعلمين النفسية والاجتماعية والاقتصادية؛
  • مراعاة الفوارق الفردية بتطبيق البيداغوجيا الفارقية؛
  • مراعاة الإمكانات البشرية والمادية؛
  • تنويع الإيقاعات الزمنية، والتنظيمات المكانية والصفية؛
  • الالتزام بالمقررات الدراسية والتوجيهات التربوية؛
  • ربط مخرجات التدبير الديداكتيكي بمدخلاته؛
  • تمثل فلسفة التربية التي تنتهجها الدولة، كالانطلاق من المقاربة بالكفايات، وتمثل مواصفات المتعلم المنشودة.

مرتكزات التدبير الديداكتيكي

  1. الانطلاق من الكفايات المسطرة والأهداف المحققة لها؛
  2. تحديد فضاء التدبير؛
  3. تنويع إيقاعات التعلم؛
  4. رصد الوضعيات الديداكتيكية وتنظيمها في جذاذة؛
  5. اختيار الطرائق البيداغوجية والدعامات المناسبة.

أنواع التدبير الديداكتيكي

تدبير الفصل

يتطلب إلمام المدرس بتقنيات تدبير الفصل الدراسي، فلا يمكن له أن يشرع في تدبير التعلمات إلا بعد تهيئة الفصل الدراسي تهييئا تربويا ونفسيا واجتماعيا مناسبا لاستقبال المتعلمين في أحسن الظروف، وتحقيق الجودة المطلوبة، ومن ذلك:

  • إرساء ميثاق داخلي للفصل، لتوفير مناخ صالح للتعلم، في محطات مختلفة: بداية السنة الدراسية، أثناء سيرورة الدرس…
  • وضع قواعد بكيفية تشاركية؛
  • اعتماد استراتيجية تواصلية تستحضر الحاجات النفسية للمتعلم، وتعمل على إشباعها؛
  • تنويع تنظيم للفصل ونمط العمل حسب متطلبات الوضعية المقترحة (عمل فردي، ثنائي، مجموعات، جماعة الفصل…)؛
  • مراعاة كيفية توزيع المتعلمين في القاعة، وتموضع المدرس…

تدبير الزمن الدراسي

  • احترام الوقت المخصص لكل مكونات الدرس؛
  • استغلال الحصص المدرسية بشكل هادف ومعقلن تجنبا لهدر الزمن المدرسي.

تدبير المعينات الديداكتيكية

  • ملاءمتها للمستوى الإدراكي للمتعلمين؛
  • قدرتها على إثارة دافعية المتعلمين للتعلم؛
  • صلاحية المعينات للاستثمار على المستوى التقني والعلمي، وارتباطها بموضوع الدرس؛
  • إدراج التخطيط لاستعمال المعينات ضمن التخطيط الشامل لمكونات الدرس؛
  • اعتبار المعينات أسسا مادية تساعد المتعلم على إنتاج المعرفة وتنظيمها، أثناء تموضعه في وضعيات تعلمية، وتتيح له حرية المبادرة والتعلم الذاتي وبناء موارده.

تدبير التعلمات

  • الحرص على وضع التعلمات في إطار سياقي، وذلك بالانطلاق من وضعيات مشكلة تكتسي دلالة بالنسبة للمتعلمين، وتضعهم في طريق التعلم؛
  • وضع المتعلمين داخل وضعيات يتخلخل بموجبها توازنهم، أي يعترضهم عائق يجعلهم مطالبين بمواجهته، وتتاح الفرصة بالنسبة إليهم للتحقق من فرضياتهم؛
  • توفير الشروط الكفيلة بخلق التفاعلات المساهمة في تطوير التعلمات، من خلال اعتماد مبدأ الصراعات المعرفية و/أو السوسيومعرفية النابعة من الوضعيات المقترحة للمتعلم، الأمر الذي يسمح للمتعلم بجعل معرفته السابقة في تقابل مع المعرفة الجديدة، أو في مواجهة مع معارف زملائه؛
  • ابتعاد المدرس عن التدبير الذي يجعل من نفسه مُبلغا للمعرفة إلى المتعلمين، إلى تجبير قائم على جعل نشاطه تابعا لنشاط المتعلم، وذلك باصطحابه ومرافقته. وبهذا يتحول المدرس إلى شخص مورد، فلا يقدم المساعدة اللازمة إلا عند الضرورة، ولمن يحتاجها، ويشجع المتعلمين على إنجاز المطلوب، ويقوي الثقة في قدراتهم وذواتهم، إيمانا منه بالعلاقة القوية بين العاملين المعرفي والوجداني؛
  • تنشيط المدرس لوضعيات تعليمية تعلمية، آخذا بعين الاعتبار مساهمات المتعلمين ومبادراتهم وتمثلاتهم ومنطقهم وأساليبهم ومواصفاتهم التعلمية، والحرص على تنظيم المناقشة وتيسير تقاسم الحلول؛
  • الارتكاز على المعرفة المكتسبة للمتعلمين، من أجل مساعدتهم على اكتساب المعرفة الجديدة؛
  • تنظيم واختيار الوضعيات التعلمية الكفيلة بتحويل تمثلات المتعلمين، ومساعدتهم على تعرف استراتيجياتهم؛
  • إدراج، وبشكل منتظم لحظات التقويم التكويني، من أجل القدرة على تشخيص صعوبات المتعلمين، وإتباعها بأنشطة المعالجة الجماعية و/أو الفردية؛
  • مساءلة المدرس لممارسته، وتعديلها على ضوء أداءات المتعلمين، أو أخطائهم…

أساليب التدبير الديداكتيكي

مفهوم أسلوب التدريس

هو سلوك شخصي سائد، وطريقة فردية لربط علاقة التفاعل مع الآخر وممارسة التدريس. ويتحدد أسلوب التدريس بالكيفية التي يتناول بها المدرس طريقة التدريس.

يمثل أسلوب التدريس تفاعلا بين الفنيات والإجراءات التي يتبعها المدرس في تنفيذ طريقة التدريس، بصورة تميزه عن غيره من المدرسين الذين يستخدمون نفس الطريقة، ومن ثم يرتبط أسلوب التدريس بصورة أساسية بالخصائص الشخصية للمدرس.

أنواع أساليب التدريس

من بين أنواع أساليب التدريس:

  • أسلوب التدريس المباشر؛
  • أسلوب التدبير غير المباشر؛
  • الأسلوب الإلقائي؛
  • الأسلوب الاستفهامي؛
  • الأسلوب التحفيزي؛
  • الأسلوب الموجه؛
  • الأسلوب المجيز.

المقاربات الإنسانية والعلائقية في التدريس

هي أساليب تدريس تقوم على مقاربات إنسانية وعلائقية مثل:

  • المدح والنقد؛
  • التغذية الراجعة؛
  • استعمال أفكار التلميذ؛
  • تنويع وتكرار الأسئلة؛
  • وضوح العرض أو التقديم؛
  • حماس المدرس؛
  • التنافس الفردي…

أبعاد الممارسات التعليمية

البعد الديداكتيكي

المحتوى التعليمي
  • سلامة المحتوى الذي يقدمه المدرس من الناحية العلمية؛
  • الاهتمام بأخطاء المتعلمين ومعالجتها؛
  • التأكد من درجة تركيب المهام المطلوبة.
طرق تدريس المادة
  • يضع المحتوى ضمن تدرج تعليمي ويربط بين الأنشطة؛
  • يدبر وضعيات التعلم وفق المقاربة المعتمدة؛
  • يعتمد الأساليب الفعالة خلال ممارسته التعليمية.

البعد البيداغوجي

  • يقدم وضعيات محفزة مرتبطة بالواقع المعيش؛
  • ينطلق من تمثلات المتعلمين ومن مكتسباتهم القبلية؛
  • يخطط وفق المقاربة المعتمدة؛
  • يدبر التوقيت حسب الأنشطة؛
  • ينظم القسم حسب صيغ العمل (فردي، مجموعات…).

البعد التواصلي والتفاعلي

  • ينظم مشاركة المتعلمين؛
  • يهتم بأنشطة المتعلمين؛
  • يحفز المتعلمين على المشاركة؛
  • يدبر التفاعل معهم وبينهم.

من إعداد: د. عبد العالي احميد

مواضيع ﺫات صلة

التعليقات

إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

*