تقديم
يتضمن التعليم وظيفتين أساسيتين، ترتبطان فيما بينهما، وهما: تدبير المادة الدراسية وتدبير الفصل. وعلى أساس هذا التمييز يكون المدرس مطالبا بأن يقوم بوظيفة ديدكتيكية مرتبطة بالمادة المُدرَّسة، وبوظيفة بيداغوجية متصلة بتدبير التفاعلات والعلاقات داخل جماعة الفصل. وكلا الوظيفتين تشكلان جزءا لا يتجزأ من الكفايات الضرورية لممارسة مهنة التدريس.
بالنسبة لتدبير المادة الدراسية، فإنه يعد من العمليات الأساس للمدرس في تدبيره للفصل الدراسي، ويرتبط بتخطيط التعلمات وبطبيعة المقاربة المتبناة. ويمكن مقاربة تدبير المادة من زوايا متعددة: الأنشطة التعلمية، وطريقة تقديم المادة التعليمية، (الوضوح، التنويع في الأمثلة…) والسبل الكفيلة بجعل المتعلمين ينخرطون في التعلم (التحفيز الداخلي من خلال الوضعيات المشكلة أو الاستكشافية…)، وطريقة طرح الأسئلة (تعيين التلاميذ، وضوحها، ارتباطها بالمستوى المعرفي للتلاميذ، حافزيتها، أسئلة مفتوحة أو مغلقة…)، وصيغ التنشيط، وكيفية تحفيز المتعلمين للأنشطة التعلمية، وأساليب التعزيز المعتمدة، وطرق تنظيم الأنشطة (أعمال جماعية، داخل مجموعات، فردية…)، والتحقق من فهم المادة الدراسية…
أما تدبير الفصل، فهو بمثابة الوجه الآخر في عملية التدريس، ويتعلق بمجموعة من القواعد والإجراءات التي يعتمدها المدرس(ة) في تدبيره للتفاعلات، لتوفير محيط صالح للتعليم والتعلم، وتطوير لدى الطفل حس المسؤولية الشخصية والاجتماعية. ولا يتأتى ذلك إلا بالحرص على إرساء قواعد تنظيمية داخل الفصل منذ بداية السنة الدراسية، والتذكير بها خلال سيرورة الدرس كلما تم الإخلال بها وبصيغ متعددة (لفظية، حركية…)، واتخاذ، متى لزم ذلك، الإجراءات التأديبية أو العقابية حسب طبيعة الحالة.
كما أن التدبير لا ينحصر في هاتين الوظيفتين الأساسيتين، بل يتعداهما إلى جوانب أخرى ترتبط بالوضعية التعليمية. من هنا يرد الحديث عن وجوه أخرى في التدبير، كقدرة المدرس على تدبير:
- الزمن، وذلك باتخاذ الإجراءات الكفيلة بعقلنتة، بكيفية تُراعي زَمَنَي البرنامج والتعلم؛ وقدرة المدرس على تدبير فضاء الفصل (مكان المدرس، مكان كل متعلم…)؛
- تنظيم الفصل، أي كيفية انتظام العلاقة بين المدرس والتلاميذ في إطار إنجاز مهام محددة (الفصل كله، جماعة كبرى، جماعة محصورة، العمل بمجموعات صغيرة…)؛ كما تتحدد في قدرة المدرس؛
- تدبير الوسائل أو الأسناد في علاقتها بالمهام والتعلمات (كاستعمال السبورة، الحاسوب، أوراق بيضاء، صور، نصوص، موسوعة…).
مفهوم إدارة القسم
إدارة القسم أو الإدارة الصفية هي العملية التي تهدف إلى تطوير تنظيم فعلي داخل الحجرة الدراسية من خلال الإجراءات التي يؤديها المدرس بهدف توفير الظروف اللازمة لحدوث التعلم في ضوء الأهداف التعليمية المحددة لإحداث تغيرات مرغوب فيها في سلوك المتعلمين.
أهمية إدارة القسم
تتلخص أهمية إدارة القسم في نجاح العملية التعليمية التعلمية فيما يلي:
- خلق مناخ تزدهر فيه العملية التعليمية التعلمية؛
- حماية الحقوق الأساسية التي تتضمن الأمان والتعلم والاحترام؛
- وضع الحدود التي يمكن أن يشعر المتعلم في ظلها بالنجاح ويتمكن من العمل والإنجاز؛
- تعليم المتعلم الخيارات المناسبة والمقبولة اجتماعيا.
أساليب إدارة القسم
من بين أساليب إدارة القسم:
الأسلوب التسلطي
دور المدرس فيه عبارة عن عملية ضبط سلوك المتعلم.
الأسلوب المتسامح
دور المدرس هو توفير أقصى درجة ممكنة من الحرية للمتعلمين بحيث يتحقق النمو الطبيعي لهم.
الأسلوب السلوكي
وهو تعديل السلوك ويعمل فيه الأستاذ على تنمية الأنماط السلوكية المرغوب فيها وعلى حذف الأنماط السلوكية غير المرغوب فيها (المكافأة والعقاب).
الأسلوب الاجتماعي
يعمل على تنمية الجو الاجتماعي داخل الحجرة الدراسية بطريقة إيجابية. (يركز هذا الأسلوب على التفاعل الإيجابي القائم على الاحترام).
أسباب الفوضى داخل القسم
هذه هي أهم الأسباب التي تؤدي إلى الفوضى داخل القسم:
الملل والضجر
شعور التلاميذ بالرتابة والجمود في الأنشطة الصفية وعدم وضوح المتوقع تعلمه منها.
الإحباط والتوتر
هناك الكثير من الأسباب التي تولد الشعور بالإحباط أوالتوتر لدى التلميذ، وتحوله من تلميذ منضبط إلى تلميذ مشاكس، ومن بين هذه الأسباب:
- سرعة سير المدرس في إرسائه للموارد؛
- زيادة أنشطة التعلم الذاتي الصعبة أحيانا؛
- رتابة الأنشطة التعليمية التعلمية وقلة حيويتها أو صعوبتها.
ميل التلميذ إلى جذب الانتباه
عادة ما يسعى التلميذ الذي يعجز عن النجاح في التحصيل الدراسي إلى جذب انتباه زملائه وأستاذه عن طريق سلوكه السيئ المزعج.
مصادر المشكلات داخل القسم
مشكلات تنجم عن بعض سلوكيات الأستاذ
من بين هذه المشكلات نذكر:
- القيادة المتسلطة جدا أو المتقلبة؛
- انعدام التحضير أو التخطيط المسبق للحصة الدراسية؛
- عدم الثبات في الاستجابات وردود الأفعال.
مشكلات تنجم عن النشاطات الصفية
من بين هذه المشكلات نجد:
- عدم ملاءمة الأنشطة التعليمية لمستوى التلاميذ؛
- تكرار الأنشطة ورتابتها؛
- كثرة الأنشطة التعليمية التعلمية أو قلتها.
مشكلات تنجم عن تركيبة الجماعة الصفية
قد يمارس المتعلم أنماطا من السلوك السيئ وسط جماعة معينة لا يمارسها وهو بمفرده أو مع جماعة أخرى.
المشكلات ليست سوى أعراض
يقول أحد علماء التربية: “إن مشاكل الانضباط ليست هي المشكلة الحقيقية بل إنها في الواقع يمكن أن تكون هدية بالنسبة لك، فعندما يسيء التلميذ التصرف فهو يخبرك بهذا التصرف بأن هناك قصورا تعلميا معينا في الوقت الذي قد تظن فيه أن المشكلة متمثلة في سلوك التلميذ فقط، الحقيقة هي أنك تملك قدرة التأثير على التلاميذ.”
شروط إدارة القسم بنجاح
المفتاح الفعال في إدارة الصف المدرسي بنجاح يتكون لدى المدرس منذ اليوم الأول من دخوله المؤسسة، عندما يقوم باتباع مدخل منظم وإعداد مسبق وتخطيط جيد قبل بداية الدراسة.
ومن النقاط التي يجب أن يركز عليها المدرس في بداية السنة الدراسية:
- التجهيز: مثل ترتيب وتنظيم فضاء القسم، وإعداد الأدوات والوسائل الديداكتيكية اللازمة ووضعها في المكان المناسب؛
- التخطيط الهادف لبعض المشكلات: مثل مشكلات تتعلق بتحرك التلميذ داخل الحجرة الدراسية، ومشكلات تتعلق بالتفاعل اللفظي، ومشكلات التلاميذ الذين يصيحون أو يُحْدثون ضجيجا بالصف دون الإذن لهم بالحديث أو دون رفع أيديهم؛
- العمل التتبعي: مثل تقرير الوقت المناسب لتدخل الأستاذ في تعزيز السلوك الملائم واختزال السلوك غير الملائم؛
- خطة التدريس: مثل تجهيز خطة الدراسة منذ الأسبوع الأول وعمل تغذية راجعة لمتطلبات الخطة؛
- استراتيجيات حل بعض المشكلات: مثل مشكلات تتعلق بالتلميذ ذي السلوك المشتت، ومشكلات التلاميذ الذين يقطعون حديث المدرس؛
- وضوح العملية التعليمية: مثل وصف الأهداف بوضوح، وضوح مشكلات التلميذ في التعلم، وضوح التعليمات اللازمة لحل مثل هذه المشكلات.
طرق الوقاية من مشاكل الانضباط
هذه بعض طرق الوقاية من مشاكل الانضباط داخل القسم:
- اِحرص(ي) على التواصل الإيجابي مع التلاميذ في الدقائق الخمس الأولى من كل حصة؛
- اِحرص(ي) على تغيير الأنشطة بشكل دائم وقلل(ي) من وقت التعليم المركز المباشر؛
- اشتغل(ي) ببيداغوجيا الذكاءات المتعددة، واحرص(ي) عند التخطيط لأسبوعك أن تكون قد غطيت أنواع الذكاء السبعة؛
- تَحَيَّن(ي) الفرص التي يحسنون فيها التصرف وقم(ي) بتعزيزها، ونوِّع(ي) أساليب التعزيز؛
- تعلم(ي) كيف تستخدم الإشارات غير اللفظية بشكل نظامي: مثل الانتقال داخل الفصل، التحرك نحو التلميذ المخل بالنظام؛
- اِحرص(ي) على أن تكون بنود ميثاق القسم عادلة، وذات معنى، وقابلة للتحقق؛
- تمسك(ي) بما أرسيته من بنود ولكن كن(ي) منصفا(ة) حتى يشعر التلاميذ بأن احترام ميثاق القسم أمر مهم؛
- أشرك(ي) الجميع، واستعمل(ي) طرقا مختلفة متنوعة بحيث تصل إلى أكبر قدر ممكن من المتعلمين؛
- أشرك(ي) التلاميذ في العمل الجماعي التعاوني، واستخدم(ي) المجموعة كمصدر للمرح وتنمية الروح الاجتماعية؛
- اِمنح(ي) التلاميذ المزيد من التحكم والسيطرة في تعلماتهم من خلال فتح مجال الاختيار أمامهم؛
- اِمنح(ي) المتعلمين مجالا للحديث عن الأشياء المهمة بالنسبة لهم.
خاتمة
يعد تدبير الفصل الدراسي مقياسا لمدى نجاح العملية التواصلية، إما على مستوى الحوارات الأفقية التي تربط التلاميذ فيما بينهم أو بالنسبة للحوارات العمودية بين الأستاذ والتلاميذ. ولهذه الصيغ التدبيرية تأثير كبير على مستوى التحصيل الدراسي.
ويكتسي التواصل التربوي داخل الفصل الدراسي أهمية بالغة في قيام علاقات التبادل وبناء المعرفة بين الأستاذ والتلاميذ.
كما تطرح داخل هذا المستوى عملية إرساء القواعد التنظيمية داخل الفصل، وكيفية تدبير العلاقات بين المتعلمين وبين المدرس، والحد من السلوكات التي لا تسمح بخلق مناخ مناسب للتعلم.