
تقديم
يشكل تحقيق مبدأ الإنصاف في ولوج التربية والتكوين إحدى التحديات التي تواجهها المنظومة التربوية، علما أن المدخل الحقيقي لتأمينه هو الإقرار بضرورة التوزيع العادل لخدمات تربوية ذات جودة دون تمييز مجالي، ويرتكز المبدأ على تهييء الظروف لجعل المدرسة قادرة على استقبال كل المتعلمات والمتعلمين باختلاف حمولاتهم، وطرق تصرفاتهم، ونظرتهم إلى محيطهم، ومتمكنة من تدبير تعليمهم بشكل ديمقراطي يتبنى تحقيق تكافؤ الفرص.
وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت في اعتماد صيغة المدارس الجماعاتية بالمملكة، وجعلها فضاءات لحل إشكالات التمدرس وتعميم تعليم جيد في الأوساط القروية، فإن الإنجازات لم تصل بعد إلى تحقيق كل الانتظارات والطموحات، وتبقى الأقسام المشتركة في الوسط القروي، وخصوصا المناطق الجبلية منها، إحدى الحلول الممكنة للمشاكل التي تواجه المنظومة التربوية في تنمية التمدرس.
إذن هل تعتبر الأقسام المشتركة الحل الوحيد لتعميم تعليم جيد في الوسط القروي؟ أم أن هناك حلولا أخرى رغم الصعوبات المادية والبشرية؟
تعريف الأقسام المشتركة
تعرف الأقسام المشتركة بأنها أقسام أو فصول يجمع فيها التلاميذ والتلميذات تحت مسؤولية مدرس(ة) واحد(ة)، حيث يخضعون لنفس الشروط بالنسبة للمكان والزمان، إلا أن البرامج الدراسية تتغير حسب المستويات.
ويجمع القسم المشترك مستويين أو أكثر في حجرة دراسية واحدة، وتحت إشراف مدرس(ة) واحد، يشتغل على برنامجين دراسيين لفئتين مختلفتين أو أكثر، في إطار حيز زمني واحد.
وتثير الأقسام المشتركة، أو الأقسام متعددة المستويات، بالمنظومة التربوية المغربية مجموعة من التساؤلات والحواجز النفسية، تنطلق في أغلبها من كونها إكراها تربويا، تمليه صعوبات مادية وبشرية. وهذا النقاش أسفر في المغرب عن إنتاج مجموعة من الأدبيات والدراسات التي تعاملت مع الظاهرة من هذا المنطلق. الشيء الذي أفرز تعاملا سلبيا معها لم تتحقق معه النتائج المطلوبة لإنجاح التدريس بهذه الأقسام.
وينبغي الاعتراف بأن الإلحاح على الاستمرار في طرح الموضوع من طرف فاعلين متعددين: كالإدارة، والآباء، والأساتذة …، وبنفس الخلفيات، يعد مبررا للبحث عن مقاربة مغايرة.
تساؤلات حول المفهوم
على مستوى المصطلح
تعددت المصطلحات: أقسام مشتركة، أقسام متعددة المستويات، أقسام متعددة البرامج، أقسام متعددة الدرجات، أقسام متعددة الأعمار، القسم الوحيد (يضم جميع مستويات المدرسة الابتدائية) … إلخ.
فهل فعلا يتعلق الأمر بمفاهيم مختلفة، أم أنها وجوه لشيء واحد؟
على مستوى المفهوم
عندما نتحدث عن أقسام مشتركة، فكأننا نفترض ضمنيا وجود أقسام غير مشتركة أو أقسام وحيدة المستوى أو أقسام مستقلة، وهذا غير صحيح.
ولمزيد من التوضيح، نقدم الجدول التالي الذي يحاول تقديم الإشكالات المرتبطة بواقع الممارسة:
الأقسام غير المشتركة (المستقلة) | الأقسام المشتركة |
تقارب أعمار المتعلمين الزمنية والعقلية | تباعد أعمار المتعلمين الزمنية والعقلية |
تقارب نسبي لمستويات التحصيل الدراسي | تباعد نسبي لمستويات التحصيل الدراسي |
برنامج ومقرر وكتاب مدرسي واحد | برامج ومقررات وكتب مدرسية متعددة |
أنشطة وتمارين موحدة للتلاميذ | أنشطة وتمارين مختلفة للتلاميذ |
خطاب موحد من الأستاذ إلى مجموعة القسم | خطاب موحد من الأستاذ إلى كل مجموعة/قسم |
من خلال ملاحظة الجدول السابق، يمكن أن نستنتج وجود اختلافات وفوارق بين نوعي الأقسام، لكنها تبقى كمية أكثر منها نوعية، فهي متواجدة حتى في الأقسام المسماة غير مشتركة. إن أعمار المتعلمين ومستويات تحصيلهم وإيقاعات تعلمهم، هي دائما مختلفة، فلا وجود لقسم منسجم كما سبقت الإشارة إلى ذلك، هذا وهم ينبغي استبعاده لأن جميع الأقسام تتطلب اعتماد البيداغوجيا الفارقية واحترام خصوصيات كل متعلم(ة) باعتماد طرائق تدريس حديثة.
إن مكمن الخلل يوجد في كون بعض الممارسات لا تزال متمركزة حول المدرس والمعرفة، بدل خدمة الكفايات التي تم الحديث عنها في السابق. فالمشكل مطروح سواء تعلق الأمر بالأقسام المسماة “مشتركة” أو بالأقسام الأخرى؛ فلا المناهج والمقررات والكتب المدرسية يتم إعدادها بشكل يستجيب لاختلاف حاجات المتعلمين، ولا التدريس استطاع أن يتمركز حول المتعلم ونشاطه الذاتي.
من البديهي جدا أن يستاء المدرس من التعامل مع الأقسام المشتركة، إذا كانت ممارساته تقوم على التلقين وإصدار الخطاب الوحيد إلى مجموعة من المتعلمين يفترض أنها منسجمة، وتوزيع البرامج والمعلومات المكثفة والمتنوعة في زمن محدود.
فكيف يمكن إذن التوفيق بين هذه الإكراهات؟
لحل هذه المشكلة، عملت البيداغوجية التقليدية على إنتاج مجموعة من التقنيات التي أثبتت عدم كفايتها، مثل المزاوجة بين الشفهي والكتابي، أو الانطلاق من الأهداف المشتركة (الجذع المشترك) … إلخ. لكن ظلت هذه التقنيات تنطلق من المسلمة القديمة “الأستاذ مصدر المعرفة”.
فكيف إذن يمكن تقديم معارف مختلفة، لمستويات مختلفة، في الإطار الزمني المعتاد دون توفر زمن إضافي؟
خلافا لما سبق، يمكن اعتبار الأقسام المشتركة اختيارا بيداغوجيا له مزاياه.
الأقسام المشتركة كاختيار بيداغوجي
إن مبدأ إلزامية وتعميم التعليم يفرض توفير مقعد دراسي لكل طفل(ة) بلغ سن التمدرس، وتقريب المؤسسات من المواطنين، وهذا ما أدى إلى بروز وانتشار هذا النوع من الأقسام خصوصا بالوسط القروي، وجعلنا في بعض الأحيان أمام مستويات دراسية تضم عددا محدودا من المتعلمات والمتعلمين، قد لا يتجاوز أربعة. إن هذا يقتضي فعلا ترشيدا للنفقات المرتبطة بالبنايات والموارد البشرية، لكن هذا لا ينبغي أن يحجب عنا كون هذه الوضعية يمكن أن تشكل امتيازا ينبغي استثماره إيجابيا.
إن الأقسام المشتركة اختيار تربوي لدى مجموعة من الدول، من بينها: سويسرا، هولندا، أستراليا، كندا، نيوزيلندا، الدول الأسكندنافية، فرنسا، الولايات المتحدة الأمريكية … إلخ. كما أنها موجودة في قطاع التعليم العمومي والخصوصي.
فما هي الأسباب التي تجعل بعض الدول، تفضل أحيانا العمل بالأقسام المشتركة، رغم توفر هذه الدول على الإمكانات المادية والبشرية لتفاديها؟
مزايا الأقسام المشتركة
إن مزايا الأقسام المشتركة لا تقتصر على الجانب المعرفي فقط، بل تمتد إلى مختلف مكونات الشخصية. فاختلاف تجارب وأعمار متعلمي الأقسام المشتركة مصدر غني؛ ولقد بينت دراسات متعددة أن نتائج الأقسام المشتركة تكون أفضل أو مكافئة لنتائج الأقسام العادية فيما يخص الجانب المعرفي، خصوصا في مجال القراءة واللغات. أما بالنسبة للجانب الوجداني والاجتماعي، فنتائج الأقسام المشتركة تكون أفضل؛ وهذا يرجع إلى كون الأقسام المشتركة، بعدم تجانسها، تشكل استمرارا لحياة الأفراد العادية في المجتمع من جهة، وإلى كونها من جهة ثانية تسمح أكثر بالاشتغال الذاتي والنشيط للمتعلمات والمتعلمين.
إذن فهي بذلك تشكل سياقا فريدا للتعلم يوفر الاستقلالية، والنضج العاطفي، والتعاون، والعمل الجماعي، وتدبير العمل المدرسي، والتحصيل الجيد … إلخ.
تقنيات تدبير الأنشطة في القسم المشترك
بما أن برامج القسم المشترك يمكن تصنيفها إلى صنفين: البرامج المتجانسة والبرامج المتباينة أو المختلفة؛ فإننا سنكون ملزمين بتبني طرق مختلفة في تدبير الأنشطة، ونذكر منها ما يلي (المستويين الخامس والسادس أنموذجا):
طريقة تقديم درسين في حصة واحدة
التدبير الأول الممكن
يهيئ المدرس جذاذتين مستقلتين مثلا في ورقة واحدة، ثم يقوم بتقسيم المدة الزمنية التي هي 30 دقيقة بين المستويين، وتكون الوسائل في هذه الطريقة إما مشتركة في بعض الأحيان أو منفصلة أحيانا أخرى. يقسم المدرس السبورة إلى جزأين، جزء خاص بالمستوى الخامس وآخر بالمستوى السادس، ثم يكلف مثلا تلاميذ السنة السادسة بمهمة، في حين ينصرف إلى تلاميذ القسم الخامس لتدبير حصتهم، وعند انتهاء المدة المخصصة (15 دقيقة) يكلفهم بنشاط تطبيقي، ليعود للقسم السادس لتدبير حصته.
التدبير الثاني الممكن
يقوم هذا التدبير على تداخل الحصص الأخرى في تنسيق محكم للمدرس بين مجموع الوحدات الدراسية المكلف بها، حيث ينجز درسه كاملا في 30 دقيقة مع مستوى معين، في الوقت الذي يكون فيه المستوى الآخر ينجز تمارين كتابية على سبيل المثال، وما أكثرها في وحدة اللغة العربية، والرياضيات …
ولهذه الطريقة مزايا عديدة، أهمها أن الدرس يقدم لكل مستوى، ولا يحصل التشويش على ذهن المتعلم بمعارف ومفاهيم لم يصل إدراكه بعد إلى مستواها، ولا يحدث تكرار للبرنامجين.
كما أن لها سلبيات أيضا، يتمثل بعضها في كون المدة الزمنية المخصصة لكل مستوى غير كاف لتقديم جميع المعلومات وتحقيق جميع الأهداف، خصوصا في التدبير الأول، وكون تقسيم السبورة وكتابة كل المعلومات يحدث بعض التشويش على ذهن المتعلم لأنهم يقرؤون ما هو خاص بهم وغيره. إلا أن من أهم السلبيات هي إرهاق المدرس بتحضير جذاذتين في ورقة واحدة ولكل حصة.
طريقة الدمج
وهو تدبير يحتم دمج مقرر المستويات، وتقليص عدد الحصص لجميع الدروس. يبدأ المدرس مثلا ببرنامج الخامس إلى حدود منتصف السنة الدراسية، ثم يتبعه برنامج المستوى السادس، ويتم التعامل في هذه الطريقة مع المتعلمين على أساس أنهم أبناء المستوى الواحد، بحيث أن السؤال الموجه من لدن الأستاذ لا يخص مجموعة دون أخرى.
ولهذه الطريقة عدة إيجابيات أهمها:
- الحرص على استفادة المتعلمين من المدة الزمنية لكل مادة؛
- مساعدة المدرس على التخفيف من عناء إعداد أكثر من تحضير وما يتطلبه ذلك من إرهاق وضياع للجهد؛
- تمكين المدرس من استغلال نفس الوسائل التعليمية؛
- استفادة المتعلمين للقسم السادس من دروس الخامس كدعم.
كما أن لها سلبيات نجملها فيما يلي:
- سطحية المعارف والمهارات بالمقارنة مع البرنامج العادي؛
- التخلي عن بعض الوسائل والأهداف لضيق الوقت؛
- عدم تمكن المدرس من تحقيق جميع الأهداف كما في البرنامج العادي.
طريقة العمل داخل المجموعات
وهي تقوم بالأساس على تقسيم المتعلمين إلى مجموعات، ويتم هذا التقسيم تبعا لعددهم مع الحفاظ على كل مستوى. يقسم المدرس السبورة حسب عدد المستويات، ثم يكلف مثلا مجموعة المستوى السادس بالإجابة على الأسئلة الموجودة في كتاب التلميذ، في حين يقوم بتدبير النشاط الأول للمستوى الخامس، ثم يكلف تلاميذ هذا المستوى بالاشتغال على أسئلة وثائق النشاط الثاني، ويمر إلى تصحيح النشاط الأول رفقة مجموعة المستوى السادس، ثم يكلف هذه المجموعة بالاشتغال على أسئلة وثائق النشاط الثاني، ويتم عمله مع المستوى الخامس حيث يشغلهم بنشاط آخر ليمر إلى المستوى السادس، وهكذا.
من إيجابيات هذه الطريقة:
- ترسيخ المفاهيم في أذهان المتعلمين وحثهم على بذل المجهود الشخصي؛
- تربي فيهم نوعا من الاستقلالية في العمل؛
- تخلق روح التعاون بين المتعلمين.
ومن سلبياتها:
- اعتماد المتعلمين المتعثرين على بعض العناصر البارزة في المجموعة فقط؛
- عدم تمكن الأستاذ من ضبط القسم خصوصا إذا كان عدد التلاميذ به كبيرا.
الطريقة المتقاطعة
وتستمد مشروعيتها من بيداغوجيا الفوارق التي تميز بين أهداف مشتركة ينبغي أن يحققها المتعلمون خلال فترة معينة، وأهداف فارقية تعتبر الفروق الفردية بينهم. فالأهداف المشتركة تكون ما يسمى بالجذع المشترك، والأهداف الفارقية تكون ما يسمى بالفرع الفارقي.
فإذا كان المدرس بصدد إنجاز نشاط مشترك ضمن مجزوءة متجانسة فإنه يكون ملزما بتقديمه عبر مرحلتين كبيرتين هما:
- تقديم حلقة الجذع المشترك.
- تقديم حلقة الفرع الفارقي.
الطريقة المتوازية
وتستمد مشروعيتها من التفريد الجماعاتي التام للتعليم، بحيث يقدم النشاط المشترك ضمن المجزوءة المتباينة بالطريقة المتوازية، والذي هو في الحقيقة نشاطان متباينان لا يجمعهما أي جامع معرفي أو منهجي كما هو الآن بالنسبة للنشاط المشترك: نشاط علمي / جغرافيا.
خاتمة
إن التعامل مع الأقسام المشتركة بالمدرسة المغربية يقتضي أولا تبني مختلف المقاربات البيداغوجية التي قدمها الدليل البيداغوجي للتعليم الابتدائي، كما يقتضي تدبيرا مرنا للمناهج والمقررات الرسمية والأزمنة الدراسية، وتنسيق الاجتهادات بين مختلف مجالس المؤسسة والفاعلين التربويين، إما على مستوى المؤسسة التربوية أو على مستويات أعم.
أشتغل بأقسام مشتركة 3+4+5+6 ..أودّ أن أشكركم على هذه المساهمة، فقد أفادتني -ناهيك عن ما أستفيده يوميا من التجربة، أعدّل، أستبصـِر، أنجح، أُخفق أحيانا .. إنه مختبر ممتاز لتجريب الوصفات الأنجح والأنجع.